شعر بأن أنفاسه تضيق، تضيق للحد الذي لا تقدر رئتيه على احتماله.. تذكرها.. تذكر عندما كان بين أحضانها تغني له حتى يتمكن منه النوم.
في الحقيقة، لقد كانت تأسره بصوتها الحنون تجعله يذوب في عالم آخر عالم لا يشبه بشاعة عالمنا.. سماءه شديدة الزرقة صافية، فراشات ملونه يغلب عليها اللون الأرجواني، أزهار تناثرت على بقاع خضراء كثيفة، هواء أملس يداعب شعرها وهي تضحك وتمسك بيديه وتدور، كان يعلم أنهما سيذهبان لذلك العالم سويًا يومًا ما..لم يدرك أو يفكر كيف أو متى لكنه كان يؤمن بذلك.
شعر أن رئتيه باتت تصرخ من الألم لكنه حاول تجاهلهما ، تركهما تستنجدان به ولم يلبي النداء.
تذكر عندما تركهما والده, رحل عنهم بلا عذر يقبل، ذهب للزواج من امرأة اعتقد أنها أجمل منها لكنه كان يعلم أنه لن يجد في جمالها, ورقتها وحنانها.
لم يكن مرضها عذرًا للتخلي عنهم كان يجب أن يكون مصدر قوة لا ضعف، فقد كانت تذرف الدموع كل ليلة لم تصبح لتغرد له.. حرمه من صوتها الرقيق, حرمه من ابتسامتها الساحرة, هجرت الدماء وجنتيها, ذبلت عيناها في وقت وجيز, باتت لا تتحرك كثيرًا وقد كف الهواء عن مداعبة خصل شعرها.
كاد أن ينسى ذلك العالم الذي غلب عليه اللون الرمادي, وهربت الفراشات, وتلبدت الغيوم, يبس الأخضر وانحنت الأزهار باكية من هجر كروانها المطرب..
ظل كرهه لذلك الرجل يزداد حتى بلغ منتهاه..
صدره اعتصر من الألم شعر أن عقارب الساعة تباطئت حركتها، حاول فتح عينيه وسط فقاقيع الهواء المتناثرة أمام عينيه لم يدرك مصدرها تماماً عندما سمع صوتًا ناعمًا من بعيد, ولكن من أين؟
انصت حتى تيقن من أنه لا يهذي إنه ذلك الصوت المألوف المحبب إلى نفسه إنه قادم من العالم البعيد الهادئ الذي بدأت تتفتح أزهاره من جديد، شعر بيديها تمسك به رأى شعرها يتطاير على وجهها ولكن بفعل الماء الذي سكن بعد اضطرابه حينذاك.
زال الألم من صدره سكنت رئتاه تماماً ابتسم لها مطمئن القلب وقد أيقن أنه كان على صواب عندما ألقى بجسده المتهالك في مياه النيل.
أيقن أنه سيراها من جديد وسيذهب معها إلى عالمهم الخاص عالمهم البعيد عن دنس هذا العالم!