في يوم مولدي الخامس والعشرين .. العُمر ليس مُجرد رقم

بقلم: سلمى محمود أدم

عُدت يا يوم مولدي .. عُدت أيها الشقي .. الصبا ضاع من يدي .. وغزا الشَيب مَفرقي

في اليوم السابع من الشهر الجاري كُنت على موعد مع يوم مولدي الخامس والعشرين .. مَر الاحتفال باردًا، هادئًا، دون أي حدث مُميز أو ذكرى حُلوة عابرة اتذكرها لاحقًا وتجعلني ابتسم .. لأكن أكثر وضوحًا لم يكن هُناك أحتفالاً من الأساس إنما مُجرد يومًا عاديًا كسابقه من أيام، لا أذكر أن اليوم حمل شيئاً مميزاً، شيئًا من ذلك النوع الذي يقلب اليوم رأسًا على عقب ويحوله من مجرد يومًا بائساً لا ملامح له إلى ذكرى لطيفة أتغنى بها .. لكن لا شيء مميز فقط بعض التهاني “الباردة” الخالية من أي مشاعر أو عواطف والتي أرسلها البعض بدافع الواجب لا أكثر ولا أقل، ولم يتغير به شيئًا سوى عمري الذي نقص عامًا أخر!

الحقيقة منذ فترة طويلة لم تعد مناسبة عيد الميلاد تُبهجني مثلما كانت تفعل سابقًا، تعرف ذلك الشعور الذي كان يراودنا عندما كُنا صغار، ننتظر ذكرى ميلادنا على أحر من الجمر ونعد الأيام تشوقًا لقدومها، نختار أفخم الفساتين لارتدائها في تلك المناسبة المُميزة ونُنظم أعظم الاحتفالات وندعو أقرب الناس إلينا ليشاركونا فرحتنا، كانت تلك الذكرى تُثير شغفنا للحياة وتترك أثرًا حلوًا في نفوسنا، كنا نعتبرها بمثابة خطوة تقربنا أكثر وأكثر من أحلامنا وكأننا نصعد درجة في سُلم طموحاتنا التي تبلغ عنان السماء.

مؤخرًا اختفى ذلك الشعور المُفرح وحل مكانه شعور أخر لم أحبه هو مزيج بين الحُزن والخوف والترقب، أصبحت تلك الذكرى تُثير في قلبي حزنًا وشجنًا لا أعرف مصدره، لم أعد أنتظر ذلك اليوم على أحر من الجمر مثلما كُنت أفعل وأعد الساعات ترقباً لوصوله إنما أصبحت أهرب منه ومن ذكراه، أصبح اليوم ثقيلًا على قلبي كجحر يزن مئات الأطنان، عرفت شعور صديقتي تلك التي كانت تختفي عن الأنظار في هذا اليوم، تغلق هاتفها وتُلغي تفعيل كل وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، كنت اتعجب مما تفعله وأفكر في لماذا قد يهرب شخصًا من ذكرى خاصة ومُفرحة كتلك؟ حتى فهمت وعرفت لماذا تتصرف على هذا النحو الذي كُنت أظنه غريبًا وقتها ولكنه بدًا منطقيًا لي بعد ذلك.

أطفئت هذا العام 25 شمعة بالتمام والكمال، 25 عامًا، 300 شهرًا، 9136 يومًا وعدد لا بأس به من الساعات،  لا أعرف كيف ومتى حدث هذا؟ كيف وصلت إلى ربع قرن الذي أشعر وكأنه رقم كبير يثير في داخلي رهبة وقشعريرة غريبة رغم إن البعض يراه ينضح بالشباب والانطلاق، في وقت سابق كنت لأفرح بذلك، كنت لأشعر بمشاعر أخرى مختلفة غير تلك التي أنا عليها الآن، مزيد من التحرر، مزيد من القوة، مزيد من الطموح والانطلاق،كنت لأقول لنفسي بسعادة وثقة وانتصار لا مثيل له هنيئًا يا أنت تجاوزت سن الطفولة والمراهقة بما تحمله من قيود ومخاوف، ودخلت مرحلة الرُشد حيث النُضج والتحرر اصبحت تملُكين نفسك وقراراتك الآن ويمكنك أن تفعلي ما تريدين وما يمليه عليك عقلك، ولكن لا يوجد شيء مجاني في تلك الحياة ولا تسير الأمور كما نُخطط لها ونتمناها دومًا!.

ربمًا كبرت للدرجة التي قد تجعلني أتصرف على النحو الذي أريده دون قيود أو تدخلات من أحد، نعم أشعر بالتحرر والانطلاق ولكن في المقابل أشعر أيضًا بالشجن والحُزن، هناك غُصه غريبة ومُوجعة في قلبي لا أعرف مصدرها، أشتاق لطفولتي واحن لكل لحظاتها وكافة تفاصيلها، أشمُّ تلك الرائحة فيقفز في عقلي ذكرى حُلوة بعيدة لطالما تمنيت أن تعود، ثم اسمع تلك الموسيقى فاسافر عبر الزمن إلى لحظات مرت في حياتي وأنِستُ بها، انظر إلى البعض في عمر الطفولة فاشتاق لطفولتي التي لم اعشها كما أردت بل وأشعر بالغيرة أحيانًا عندما أراهم يلهون ويلعبن ثم أتذكر طفولتي البائسة تلك وأشعر بالضيق، أري فتيات في عُمر المُراهقة يعشن سنهن بالطريقة التي تمنيت أن أعيش تلك المرحلة بها ثم أتذكر مراهقتي التي لم يكن بها شيئاً مميزاً سوى إنني أضعتها أمام الكُتب أدرس وأذكر فقط دون أي شيء أخر!، أنظر إلى الشباب في مثل عُمرى ومن هم أكبر من سناً وأفكر في مصيري وهل سأحظى بالحياة التي تمنيتها يوماً وأفعل شيئاً في تلك الحياة أفخر به أم سأنتهي مجرد نسخة واهية مثل مئات النُسخ التي أراها كل يوم دون أي إنجاز واحد يُذكر!

أيام الطفولة وأيام الشباب

أفتقد أيام كان أكثر همي تأخر والدي في احضار مجلتي المُفضلة والتي كانت بالمناسبة مجلة علاء الدين كان يحضرها لي والدي كُل خميس أثناء عودته من العمل حيث كانت بمثابة تكليف لم ينساه ابدًا، أما أقصى حروبي فكانت شجاري مع أشقائي الذكور وقتما كانوا يعبثون بعرائسي ولُعبي، وتتلخص لحظات حُزني وألمي عندما أضطر أن أترك مشاهدة كارتوني المُفضل لأنام مُبكرًا، ولحظات بكائي عندما يجبرني والدي على الاستيقاظ مبكرًا والذهاب للمدرسة وشرب كوب اللبن الذي لم أحبه يومًا، أما لحظات تفكيري العميق فكانت كيف وأين سأقضي أجازة الصيف، كانت حياة مُريحة، هادئة تلك التي تتصرف بها دون تفكير، كانت حروبنا طفولية لذيذة لا خاسر ومنتصر بها، كان هناك أحداً دائمًا وراءك، يقف في ظهرك يمنحك الآمان ويمكنك أن تعتمد عليه في كل شىء، كان هناك متسع من الوقت للتجربة والتعلم، تسقط لتقف مُجدداً، تقع لتُسندك أيدي أحدهم لتنهض مُجددًا وتُكمل طريقك، كانت هناك دائمًا فُرصة أخرى ومتسع من الوقت للخطأ وإفساد الأمور دون عقاب أو حساب!

أما الآن فأنا كبرت، كبرت بما يكفي ليتغير كُل شىء ولأفهم طبيعة الأشياء، كبرت لأفهم أن العمر ليس مجرد رقم كما يدعون إنما هو أكبر من ذلك بكثير، كبرت لتصبح لدي مَخاوف وحروب ومعارك أكبر بكثر من النوم باكرًا وتأخر والدي عن شراء مجلتي المُفضلة!، كبرت لدرجة إنني أصبحت أرى عُمرى كالحد الأقصى المطلوب لبعض الوظائف، وأصبحت أحاديث الزواج والأطفال شيئاً عاديًا فالقاعدة الآن أن أجد كل من أعرفهن وفي مثل سني يرتدين دبلة إما في اليد اليمنى أو اليسرى بل وأحيانًا أجدها تجر ورائها طفلاً يتعلق في أخر ثوبها إما الاستثناء فهو أن تبقي في ذلك السن دون زواج! كبرت لأعي أنه عَلى أن اتدبر شؤوني وحدي، لا أحد سيسندك، ولا مجال للتجربة والخطأ بعد، فالخطأ هُنا لن يكون مقابله مجرد عقاب صغير كالحبس أو الحرمان من لُعبتك المفضلة إنما أكبر من ذلك بكثير! نعم ربمًا تخلصت من قيود الطفولة حيث الخوف من الرسوب ونتيجة الثانوية العامة وعقاب الأهل ولكن أصبحت هناك قيود أكبر بكثير، قيود من ذلك النوع الذي يجثُم على قلبك ويسلبك راحتك ويؤرق لحظات حياتك!

سباق طويل

أشعر وكأني في سباق طويل لا أعرف متى سينتهي وهل سأصل لأخره في الموعد أم سأتأخر أم يفوتني السباق برُمته، أفكر في كُل مرحلة من ذلك السباق في أشياء كثيرة تؤرقني، أفكر في أحلام كُنت أحلم بها وانا مفتوحة العينين هل ستتحقق أم ستقف عند كونها مجرد أحلام واهية أنظر إليها من بعيد وهي تبتعد عني حتى تختفي عن الأنظار دون أن ألمسها بيدي وأشعر بها، أفكر في أشياء كثيرة كانت على قائمة أحلامي اتمنى لو سنحت لي الفرصة لأفعلها ولكن يظل هناك سداً منيعاً بيني وبينها إما بسبب الأهل أو المجتمع أو غيره، أفكر في وظيفة أحلامي التي تمنيتها هل سأكون محظوظة بما يكفى لأعمل بها ولو ليوم واحد أم عَلى تقبل وظيفتي تلك تحت شعار إن لم تجد وظيفة أحلامك فكل وظيفة تعمل بها هي وظيفة أحلامك!، أفكر في إن كُنت سأحصل يومًا على أصدقاء حقيقين، أصدقاء من ذلك النوع الذي يحسدك البعض على علاقتك بهم وليس مُجرد أشخاصاً فرضتهم الظروف عليك وأصبحتم أصدقاء بواقع الصدفة فقط لا غير.

أفكر كثيراً في المستقبل هل يُخبىء لي شيئًا جديدًا أم سيستمر الوضع كما هو عليه، أخيرًا أفكر في ماذا ينتظرني في نهاية السباق هل نفس الحياة الروتينية التي أعيشها والتي يغلب عليها التوسط في كل شىء، فرحة متوسطة، نجاح متوسط، أصدقاء متوسطون وهكذا على هذا المنوال في كُل شىء تقريبًا أم تنتظرني نهاية سعيدة يغلب عليها النجاح الساحق ولو كانت مُتأخرة فأن تصل مُتأخرًا خيرًا من أن لا تصل ابدًا .. هل يكون عامي الخامس والعشرون عام حظي أم يستمر هذا الروتين القاتل عامًا أخر؟ هذا ما اتمنى أن أعرف إجابته قريبًا ليستريح قلبي ويرتاح عقلي..

عن سلمى: مصرية، اسكندرانية، عمري 25 عام، عملت كصحفية سابقاً وحالياً أعمل كمحررة محتوى في شركة برمجة مصرية – اهتم بمجال المرآة ولدي العديد من المساهمات به.
اظهر التعليقات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول