الواقع والخيال يندمجان .. والنتيجة؟
كثيرا ما يهرب الانسان من الواقع بمشكلاته المختلفة الى دنيا التخيل والافتراضات التى لا تحدها مشكلات او قيود ، فيحقق فى الخيال ما يعجز عن تحقيقه فى الواقع ، ولذلك فهو يحلم دائما بأن تذوب الفوارق بين الحقيقة والتخيل ، ليستمتع بكل شئ.
ومن جانبها التقطت تكنولوجيا المعلومات هذا الحلم وحاولت تحقيقة ، ويمكن القول انها استطاعت حتى الآن وضع آليات قادرة على ان تذيب بعض الفوارق بين الواقع والخيال تحت ظروف معينة ، وتنشئ منهما مزيجا أطلق عليه الحقيقة التخيلية أو الواقع الافتراضى ، وهو نوع من الوقائع أو الحقائق التي يجرى صنعها وتكوينها عبر برامج وحاسبات متخصصة لتظهر و تتجسد بالشكل الذي تجرى به على ارض الواقع فعلا بهدف تحقيق أهداف بعينها ، وكانت النتيجة أكثر من باهرة ، بعدما عكست نفسها على صورة منتجات وخدمات تحقق للإنسان مزيدا من الرفاهية والانتاجية .
وتنتشر الان أعداد لا حصر لها من الحالات التي يندمج فيها كل من الواقع والخيال ، ففى مجالات الاتصالات مثلا تجد ان بنك يمتلك عدة فروع في أماكن مختلفة يحلم بامتلاك شبكة خاصة به تربط فروعه ومركزه الرئيسي معاً بأرخص الأسعار وأعلى كفاءة ، وواقعيا سيستحيل عليه انشاء هذه الشبكة ، لكن الواقع الافتراضي قدم حلولا لهذه المشكلة وأفرز ما يسمى:
الشبكات الافتراضية VBN
وفيها يلجأ خبراء الاتصالات الى تكوين شبكات اتصالات خاصة فى قلب الشبكة العامة ، يكون لها كيانها المستقل ، لكنها تتميز بكونها شبكة افتراضية كالشبح ، تتكون وقت الحاجة اليها فقط ثم تختفي ، فهى تنشأ عبر مجموعة من قنوات الاتصال المستقلة فى الشبكة الام “شبكة الانترنت” لتخدم موظفيه فقط ، وبذلك يكون البنك مالك لشبكة خاصة دون الحاجة لمد كابلات جديدة او تأجير خطوط اتصال باهظة التكلفة ، لان الشبكة الافتراضية ليس لها وجود مادى هي فقط موجودة فى العالم الافتراضى .
سيارة فى الهواء
ان تقوم بتجربة المنتجات والصناعات قبل صناعتها لتتأكد من سلامة المنتج ومطابقتة للمواصفات فهذا حقا حلم يراود رجال الاعمال واصحاب الشركات الصناعية ولكن بفضل الواقع الافتراضى اصبح الحلم حقيقة ، حين عرضت شركة فورد للسيارات ذات مرة نموذج سيارة تحت التطوير على شاشة حاسب عملاقة مساحتها تكفى لاستيعاب صورة السيارة بحجمها الطبيعى ، وهذا النموزج لم يكن منوعا من معادن او بلاستيك وانما كان مبنياً بالكامل من الهواء ، وبدت السيارة الجديدة لمشاهديها مجسمة معلقة فى الهواء واضحة المعالم يظهر كل ما فيها من تفاصيل بدقة من الداخل والخارج بشكل لا يختلف تقريبا عنها وهى مصنوعه من المعادن أو المواد الاخرى ، والمثير ان هذه الصورة لم تكن على الشاشة فقط ولكن الجزء الاكبر منها كان بارزاً فى الفراغ الموجود أمام الشاشة ويمتد أمامها لمسافة قد تقرب من نصف متر ، وبالتالى فإن كل من يمر امام الشاشة فى هذه المسافة يجد نفسه وسط الجزء البارز من الصورة فى الفراغ ، يمكنه تبين ألوانها ومقاعدها وتصميمها الخارجى وأماكن المصابيح والاطارات بالحجم الطبيعى .
الفصل فى القضايا
منذ فترة عرضت على احدى المحاكم البريطانية قضية خاصة بإحدى حوادث التصادم على الطريق ، راح ضحيتها بعض الأشخاص ويكى يصدر الحكم استعانت المحكمة ببرنامج واقع افتراضى طوره باحثون بجامعة نوتنجهام ، فى إعداد سيناريو كامل لحادث التصادم ، وخلال إعداد سيناريو الحادث قام المتخصصون بتسجيل وتوثيق كل المعلومات المسجلة من قبل عن الحادث طبقا لتحقيقات الشرطة والشهور ، ولجعل السيناريو أكثر صدقا قاموا بالتوجه لمكان الحادث وتصوير الاسفلت ثم قاموا بإفتراض الشخوص والسيارات التى كانت موجودة أثناء الحادث والموجودة فى التحقيقات ، ومن خلال تصوير الحدث من زوايا متعددة ومتابعة ارتطام السيارات طبقا للزوايا التى رأها كل شاهد ، امكن عرض صورة تخيلية تفصيلية للحداث كما لو كان يحدث من جديد وتم عرضها فى ساحة المحكمة على شاشة مساحتها 2 متر مربع مما ساعد القضاة على معايشة الحادث وإصدار الحكم .
جامعة افتراضية
وتتجة دنيا الواقع الافتراضي إلى مجال التعليم بمختلف مراحله وبدأت تظهر المدارس والجامعات التخيلية التى ليس لها وجود مادى على أرض الواقع ولكن موجودة فقط فى ذاكرة الحاسبات العملاقة ومواقع شبكة الإنترنت ونظم معلومات التعليم المختلفة ، بل ان المدرسة الحقيقة العادية أصبح لها وجه افتراضى على الانترنت ، وهناك مدرسون افتراضيون يمكنك إجراء مناقشة وحوارات تفاعلية معهم .
المباني قبل الاساسات
وفى مجال الإنشاء والتخطيط العمرانى يلعب الواقع الافتراضى دورا كبيراً وصلت الى إنشاء واقع تخيلى للمبنى المستهدف انشاؤهوما حوله من مبان ومنشآت فى وقت واحد من أجل استكشاف مدى تأثيره على الطابع المعماري العام للمنطقة التي سينشأ فيها ، وهو ما حدث فعلا فى لندن ، حيث استخدم المسؤلون هناك تكنولوجيا الواقع الافتراضي من اجل اطلاع الخبراء والجمهور على الشكل العام الذي ستبدو عليه بعد احياء المدينة ومناطقها السكنية ، وحدث هذا مع عدة مشروعات لاقت ترحيب كبير من الخبراء والجمهور ، وقال الخبراء ان هذه التصميمات الجديدة لم تكن لتتحقق بالشكل المراد لولا برامج الواقع الافتراضى التى ساعدت المصممين على رؤية المبانى فى صورتها الافتراضية وسط المنشأت الحالية والمحيطة .
اما عن نتيجة اندماج الواقع والخيال ، فستكون المزيد من الرفاهية والإنتاجية .