أبرز 5 أوبئة هددت البشرية على مر التاريخ وكيف أنتهت؟
بعض الأوبئة على مر التاريخ حصدت أعدادًا ضخمة من أرواح البشر، بينما أوبئة أخرى تم القضاء عليها من خلال جهود البشر في مكافحتها، ومع التقدم الذي تشهده حضارة الإنسانية على مر العصور، كانت الأمراض والأوبئة تجد طريقها في الانتشار، فالاختلاط مع الحيوانات واحتكاك سكان الدول مع بعضهم البعض، أتاح كل هذا فرصة سهلة للأمراض في الانتشار حتى مع بدء التجارة البحرية، وظهور الطرق التجارية أوجد مصطلح جائحة عالمية، ومن خلال هذا الموضوع نستعرض معكم طرق انتهاء أكبر خمسة أوبئة شهدها التاريخ.
طاعون جستنيان.. جرثومة تسببت في وجود ثلاثة أوبئة
أجمع المؤرخون أن جرثومة واحدة هي التي تسببت في انتشار ثلاثة أوبئة فتاكة لدى البشرية منها؛ اليرسينيا الطاعونية والتي تسبب مرض الطاعون، وكان طاعون جستنيان هو أول وباء من أوبئة الطاعون الثلاثة، حيث ظهر هذا الطاعون في القسطنطينية عام 541 ميلاديًا، واصلًا لها من مصر من خلال البحر المتوسط، حيث كانت مصر حينها بعهدة الإمبراطور جستنيان حتى باتت مصدر الحبوب إلى العاصمة البيزنطية.
الحبوب التي كان يتم استيرادها من مصر، كانت تمثل مصدرًا لغذاء الفئران، والتي بطبيعتها تصطحب البراغيث، والحاملة في الأساس للطاعون.
انتشر وباء الطاعون في القسطنطينية، ومنها انتقل لأوروبا وشمال أفريقيا وآسيا، ليحصد أرواح مايقرب من 30:50 مليون شخص حول العالم وكان رقمًا يضاهي نصف سكان الكرة الأرضية حينها ليتم تسجيل الطاعون أحد أخطر الأوبئة التي فتكت بالبشرية على مر التاريخ.
الخيار الوحيد الذي أصبح متاحًا أمام الناس لمواجهة الطاعون هو الابتعاد عن المصاب به، ويرجح أن انتهاء المرض جاء من خلال أن الباقين على قيد الحياة بعد الطاعون شكلوا مناعة ضد الوباء، حتى قيل أن الإمبراطور جستنيان قد أصيب بالطاعون لكن شفي منه.
وواصل الطاعون الظهور كل فترات تمتد لسنوات حتى أن طاعون عمواس، والذي ضرب بلاد الشام في عام 640 ميلاديًا قيل انه نجم عن طاعون جستنيان، وأودى حينها بحياة الكثيرين من المسلمين.
بعد غياب 800 عام.. الموت الأسود يعود ويظهر مفهوم الحجر الصحي
اختفى الطاعون لمايقرب من 800 عام، ثم عاد مجددًا بالظهور في أوروبا حتى كان يحصد الأرواح بلا رحمة، وعرف حينها بالموت الأسود فقد حصد مايقرب من 60% من سكان القارة الأوروبية وهو رقم يعادل 50 مليون شخص وحدث ذلك على مدار أربعة أعوام فقط.
توقف انتشار الطاعون لم يكن معلومًا وسائله لدى الناس آنذاك، بالضبط كما حصل مع طاعون جستنيان، لكن قرار ملائم اتخذه مسؤلو الحكومة بالبندقية حينها لمحاولة السيطرة على تفشي الوباء، وهو أن يتم اتحجاز السفن المقبلة من مدن معروف عنها انتشار المرض بها وذلك بميناء مدينة راغوزا والتي تخضع لسيطرة البندقية، لكي يتم عزل البحارة حتى التحقق من عدم حملهم للوباء وغير مرضى.
بدأ تنفيذ القرار وتطبيقه على السفن بالميناء واحتجاز البحارة لفترة تبلغ 30 يومًا، حتى بات هذا القانون معروفًا في البندقية بـtrentino وهي كلمة إيطالية، ومع الوقت كان يتم زيادة الفترة المحددة للحجز، حتى وصلت لأربعين يومًا، فتحولت من trentino إلى quarantino وستصبح كلمة الحجر الصحي التي عرفت تباعًا وهي quarantine حتى بدأ تطبيق هذا الإجراء على نطاق واسع بعد ذلك في العالم الغربي، ووفقًا لباحثين فإن الحجر الصحي هذا كان له نفعًا في الحد من تفشي الأوبئة.
تشميع المنازل لمحاصرة طاعون لندن
في لندن واصلت الأوبئة ظهورها واستمر ذلك من 1348 منذ أن ظهر بها وحتى عام 1665 فكان مع كل ظهور لوباء جديد، يحصد عدد 20% من سكان لندن، سواء من أطفال أو رجال أو سيدات حتى فرضت الحكومة هناك مع مطلع القرن السادس عشر، قوانينًا جديدة لأول مرة بشأنها التشريع بعزل مرضى الأوبئة.
أما عن العزل الذي طبقته لندن، فكان يتم تشميع المنازل التي أصيب أحد قاطنيها بالطاعون بالقش والعصا، وعند اضطرار الفرد لمغادرة المنزل والخروج، كان يحمل عصا من مجموعة جزم العصا المتراصة أمام منزله، وبذلك يدرك الجميع أنه مصاب، بالإضافة لذلك تم الاعتقاد بأن القطط والكلاب ناقلة للأوبئة، فتم حينها التخلص من مئات الآلاف من الحيوانات.
تم تسجيل طاعون لندن في عام 1665 بأنه آخر الأوبئة الطاعونية التي أصابت المدينة، واعتبر أنه أكثر الأوبئة سوءا في ذلك القرن، حتى قيل أن ضحاياه تعدى عددهم الـ100 ألف من سكان لندن وذلك خلال فترة لم تتجاوز الـ7 أشهر، وحينها ألغيت جميع الأنشطة العامة، وأجبر المواطنون على التزام منازلهم تجنبًا لتفشي الوباء، كما كان يتم رسم الصليب الأحمر على الأبواب مرفقًا به جملة تلتمس المغفرة وهي “الله يرحمنا”.
وكان أحد الحلول للقضاء على الطاعون الثالث والوباء الذي عرفته البشرية، هو أن يتم دفن ضحاياه في مقابر جماعية كما كان يتم حجز المرضى بمنازلهم.
الجدري وملاحظة طبيب لاكتشاف لقاح
ظل الجدري وباءًا يهدد آسيا وأوروبا والجزيرة العربية لقرون عدة، فكان يقضي على ثلاثة أشخاص من كل عشرة، أما الناجين منه فكان يترك بهم ندبات مستديمة، لكن نسبة الوفيات لم تكن كبيرة، ووصل أول مرة هذا الوباء في القرن الخامس عشر، مع المستكشفين الأوروبيين.
السكان المحليون من المكسيك أو الولايات المتحدة، لم يكن لديهم مناعة طبيعية ضد الوباء، فمثل هذا فرصة كبيرة لدى الفيروس لحصد الأرواح حتى قيل أن حوالي 95% من السكان المحليين أصبحوا من ضحايا الجدري في قرن واحد، فتراجع عدد السكان بالمكسيك من 11 مليون شخص قبل الاحتلال الأوروبي، إلى نحو مليون شخص لما بعد الاحتلال.
ورغم حصد الجدري للعديد من الأرواح وماتسببه من مآسي للعالم إلا أنه كان من الأوبئة التي تم استئصالها بعد قرون، بعد اكتشاف لقاح للقضاء عليه، وذلك من خلال ملاحظة دقيقة لطبيب بريطاني ” إدوارد جينز” الذي لاحظ أن إصابة الفتيان اللاتي يقمن بحلب البقر، بأعراض أقل حدة من الأعراض الخاصة بالجدري وهو جدري البقر، وبذلك يشكلن تلك الفتيات مناعة ضد فيروس الجدري.
قام الطبيب بتلقيح الفتى الذي يعمل لديه ويدعى ابن البستاني، وعمره تسعة أعوام وذلك بجدري البقر، ثم عرضه للجدري فلم تبد عليه أية أعراض، فقال حينها إدوارد جينر، إن أبادة وباء الجدري الذي شكل معاناة للبشرية، يجب أن تكون تلك هي النتيجة النهائية للحادثة، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 1980 أنه تم استئصال الجدري تمامًا من على الأرض.
الكوليرا.. وفكرة إزالة مقبض البئر لإنهاء الوباء
ظهر وباء الكوليرا في مطلع القرن التاسع عشر، فقتل مايقرب من 10 آلاف شخص بالمملكة البريطانية، حتى قيل أن وباء الكوليرا كغيره من الأوبئة يلاقي انتشاره عبر الهواء الفاسد، هذه النظرية عرفت باسم ميازما إلا أنه تم رفضها لاحقًا، خاصة بعد أن تم اكتشاف الدور الخاص بالجراثيم، فكان جون سنو، طبيب إنجليزي يشك بأن الفيروس له علاقة بمياه الشراب في لندن.
قام سنو بالذهاب إلى المستشفيات وطلب أن يطلع على السجلات الطبية الخاصة بالمرضى، وذلك حتى يتمكن من التقصي و الوصول إلى مصدر العدوى، فأنشأ مخططًا جغرافيًا خاص بوفيات الكوليرا في عشرة أيام، حتى لاحظ أن عدد 500 حالة جاءت من شارع في لندن يضم بئرًا للمياه يشرب منه السكان هناك.
سنو الطبيب الإنجليزي، عزم على أن يثبت صحة فرضيته، فأقنع المسؤولين بأن يزيلوا المقبض الخاص بالبئر حتى يصبح غير صالحًا للاستخدام، وبالفعل بدأت الوفيات في الانخفاض بشكل ملحوظ، فكرة سنو لم تقض على الكوليرا لكنها كانت بداية للاهتمام بتحسين مواصفات الصرف الصحي والحرص على حماية مياه الشرب من أية ملوثات، فتم استئصال المرض من دول عدة لكنه لايزال ينهش في أرواح أخرى بدول العالم الثالث.
ونلاحظ مما تم سرده بأن الأوبئة ظلت متواترة على مدار التاريخ وحتى يومنا هذا، لكن جهود العلم والطب هي التي تسهد في القضاء على الأوبئة حتى أصبح الطاعون لايمثل خطورة بعدما تسبب في إثارة الرعب بالعالم لفترات طويلة، كما أصبح وباء الجدري منسيًا، وربما يكون ذلك سببًا في التفتح نحو دعم الجهود الطبية والعلمية.