قبل أن نقوم بعرض وجهة نظر ريتشارد فاينمان في تعريف العلم لابد من أن نعرف ريتشارد فاينمان وهو واحد من ألمع علماء الفيزياء النظرية فى القرن العشرين ، وقد عمل بمشروع مانهاتن أثناء الحرب العالمية الثانية ، وهو المشروع الذى أسفر عن عن القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناجازاكي ، وحصل على جائزة نوبل فى العام 1965 .
تعريف العلم ومفهومه من وجهة نظر ريتشارد فاينمان
وسؤال ما هو العلم يجيب عنه فاينمان فى محاضرة له ، فيقول
أن كلمة العلم تستخدم واحداً من ثلاثة معان ، أو مزيجا منها فالعلم يعنى احيانا منهجا معينا لاكتشاف الجديد وهو يعني أيضا كم المعرفة الذى ينتج عما كشف ، وقد يعنى الجديد الذى يمكن أن يتحول الى تكنولوجيا .
الناحية الاولى من العلم
والتكنولوجيا تبدو لكثيرين انها الاهم ، فإن أوضح خصائص العلم هو تطبيقه ، فالثورة الصناعية بأكملها كانت ستغدو مستحيلة لولا أن تطور العلم ، وما نملكه الآن من إمكانيات لإنتجاج مقادير هائلة من الطعام تكفى لسد حاجة هذا العدد الضخم من السكان أو التحكم فى الأمراض ، هى فى أغلبها نتيجة لتطوير وسائل علمية للإنتاج .
وهذه القدرة على إنجاز الأشياء ، لا تحمل معها إمكانيات عن كيفية إستخدامها ، عما إذا كانت تستعمل للخير أم للشر ، فنحن نسعد بتطوير الطب ثم يقلقنا عدد المواليد المتزايد ، ونستفيد من معارفنا عن البكتريا ، لكن هناك معامل سرية يعمل فيها رجال لتطوير بكتيريا لا يتمكن أحد من أن يجد علاجا لها .
يسعدنا تطوير النقل الجوي و تذهلنا الطائرات العملاقة لكننا ندرك أيضاً الفظائع الرهيبة للحرب الجوية، وتسعدنا قدرتنا على الاتصال بين الأمم ، لكن تقلقنا حقيقة إنه من السهل أن يتطفل علينا الآخرون .
إن القدرة على إنجاز عمل ما أمر له قيمة ، أما أن تكون النتيجة طيبة أو خبيثة ، فهذا يتوقف على طريقة الاستخدام ، لكن المقدرة فى حد ذاتها لها قيمة يقدرها الجميع .
الناحية الثانية من العلم
الناحية الثانية من العلم هى محتواه ، هى ما قد تم الكشف عنه ، هذا هو المحصول ، هذا اهو الذهب ، هو الإثارة ، هو ثمن كل هذا التفكير المنظم والعمل الشاق ، فالبحث العلمى لا يجرى من أجل تطبيق ما ، إنما يجرى من أجل الكشف ، من أجل متعة المعرفة ، هذا هو الوجه المثير ، أنت لن تفهم العلم وتدرك علاقته بالعالم وبكل شئ اخر ، الا اذا فهمت وقدرت مغامرة زماننا الكبرى وكل زمان ، أنت لا تعيش عصرك إذا لم تفهم أن العلم مغامرة هائلة وأنه شئ جامح ومثير .
كانوا قديما يعتقدون أن الأرض محمولة على ظهر فيل يقف فوق سلحفاة تسبح فى بحر بلا قرار ، لكن ماذا يحمل البحر ، كان سؤالاً لم يعرفوا له إجابة ، هكذا كان اعتقاد القدامى وهو نتيجة للخيال الواسع ، وهى فكرة على اية حال جميلة وشاعرية …. لكن ماذا عنها الان ؟.
هى فكرة مملة فالأرض كرة تلف وتدور والناس مربطون فوقها فى كل ناحية ، ونحن نتقلب أمام نار حامية هى الشمس ، أليس هذا أكثر رومانسية واثارة .
الناحية الثالثة للعلم
الناحية أو الخاصية الثالثة للعلم هى المنهج ، هى الطريقة التى نصل بها إلى المعرفة ، هنا تكون الملاحظة هي الفيصل وهي الحكم النهائى والاخير على صحة الفكرة ، فما لا يمكن إخضاعه للملاحظة هو شئ غير علمى ، أي لا يمكن دراسته بالعلم ، فالعلماء يعالجون الأشياء التي يمكن تحليلها بالملاحظة والتى يمكن أن تقاس ، وبهذا تكتشف الاشياء التى تسمى العلم ، ورغم ذلك فهناك الكثير من الاشياء الاخرى لا يصلح معها منج العلم ، ولا يعني ذلك أنها ليست مهمة ، فربما تكون فى الحقيقة هى الأكثر أهمية ، ولكن التعامل معها لا يتم بشكل علمى ، أي لا يتم التعامل معها بمنهج العلم ، فإذا ما تم تناول هذه الموضوعات بمنهج العلم ، فإننا لن نصل حتما الى ما يمكن التثبت من صحته أو خطئه ، وستظل المعارف مجرد افتراضات أو ابنية معرضة للانهيار المعرفى فى أى لحظة ولأي سبب .