الإعلان عن أول صورة حقيقية للثقب الأسود في تاريخ البشرية
قبل أن نتطرق لتفاصيل الحدث الجلل الذي هز الأوساط العلمية دعنا نبدأ بتعريف بسيط حول الثقب الأسود، والذي هو عبارة عن منطقة في الفضاء ذات كثافة مهولة تفوق غالباً مليون كتلة شمسية، حيث يمتاز الثقب الأسود بجاذبية قوية جداً لدرجة أن الضوء نفسه لا يستطيع الهروب منها، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي نشهده في عالمنا المعاصر ولا سيما في مجال الفضاء إلا أن البشر كانو لا يستطيعون التقاط صورة واحدة لهذا الثقب الأسود.
ولكن يبدو أن البشر على موعد مع إضافة جديدة وكبيرة في علم الفضاء وذلك ما حدث في يوم الأربعاء 10/4/2019، في تمام الساعة التاسعة صباحاً بالتوقيت الشرقي والثالثة مساءاً بتوقيت مصر حيث تم الإعلان عن أول صورة حقيقية للثقب الأسود، ويرجع هذا الفضل لتلسكوب أفق الحدث (EHT) أو Event Horizon Telescope، حيث يعتبر تلسكوب أفق الحدث أحد أكبر التلسكوبات الموجودة في الوقت الحاضر، والذي يتكون من ثماني تلسكوبات مختلفة والذي تم إتمام بناؤه في شهر إبريل لعام 2017.
وقد كانت المهمة الأساسية لهذا التلسكوب هي إقتحام الفضاء وإلتقاط الصورة الأولى في التاريخ للثقب الأسود، وهذا ما حدث وتم الإعلان عنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده الفريق المسؤول عن التلسكوب، حيث تم الإعلان خلال المؤتمر عن نجاح إلتقاط أول صورة للثقب الأسود “ساجيتاريوس A*” والذي يقع في مركز مجرتنا درب التبانة على بعد 26000 سنة ضوئية.
وقد يخطر تساؤل لدى البعض وهو كيف تم إلتقاط صورة للثقب الأسود في حين أننا قلنا أن الثقب الأسود لا يسمح بهروب الضوء منه، والإجابة على السؤال أن الصورة التي تم إلتقاطها لم تكن للثقب الأسود نفسه بل كانت لمنطقة أفق الحدث التي تحيط بالثقب، والتي تعرف بمنطقة “اللاعودة” وهي المنطقة التي لا يمكن الهروب بعدها من قوة جاذبية ذلك الكائن العملاق.
وهذا الثقب الأسود الذي تم إلتقاط الصورة له والمسمى “ساجيتاريوس A*” أحد الثقوب العملاقة في الفضاء، حيث تبلغ كتلته ما يقارب مليون نجم من نفس كتلة الشمس، وقد تم عمل مزامنة للمراصد التي تقوم بالتصوير لمراقبة الإشعاعات المنبعثة من حلقة المواد التي تحيط بالثقب وذلك في منطقة أفق الحدث التي ذكرناها، وهذه من شأنها أن تعطينا صورة ظلية لذلك الثقب الأسود فائق الكتلة، وقد عملت هذه المراصد لمدة تسعة أيام استطاعت أن تحصد خلالها مجموعة كبيرة من البيانات والتي إستمر نقلها ومعالجتها وتحليلها ما يقارب العامين وذلك من أجل الحصول على صورة كاملة للثقب الأسود.
ولكي نوضح قوة التلسكوب أفق الحدث (EHT) أو Event Horizon Telescope الذي قام بالعملية، فوفقاً لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology، فإن هذا التلسكوب لديه قدرة عالية قد تمكنه من عد النقط أو الغرز الموجودة على جسم كرة بيسبول تبعد عنه مسافة 8000 ميل، وليس هذا فقط بل إن التلسكوبات الثمانية مجتمعة لديها قوة بصرية تعادل 1000 ضعف تلسكوب هابل الفضائي.
ولعل إلتقاط هذه الصورة قد يكون له الكثير من الفوائد والآثار الإيجابية ولعل أبرزها أنه يؤكد أن نظرية النسبية العامة لآينشتاين هي النظرية الصحيحة والأكثر دقة لوصف الجاذبية القوية للثقب الأسود والتي تمنع الضوء نفسه من الهروب منها، كما أن هذه الصورة قد تخبرنا عما يحدث بالفعل حول الثقب الأسود، كما أن أبرز مكتسبات هذه الصورة أنه تمثل لنا إثبات جديد على قدرة التكنولوجيا الحالية على دفع علم الفلك إلى آفاق جديدة في المستقبل.