سر نجاح العربي .. من بيع الخردوات إلى الريادة فى مجال صناعة الاجهزة الكهربية
” إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة “
تحققت هذه المقولة بكل معانيها فى شركة توشيبا العربي التى يقدر رأس مالها بمليارات وأصبحت من كبريات الشركات الرائدة فى مجال الاجهزة الكهربية على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا , ولكن كيف بدأ كل هذا النجاح وما هى القصة من البداية ؟
البداية كانت لطفل صغير لم يتجاوز العاشرة ولكنه كان مختلف عن أقرانه وأصحابه فبدلا من أن ينشغل معهم باللعب يوم العيد كان يأتى بما إدخره طوال العام وهو لا يتعدى 30 قرش ليشترى بها لعب ويبيعها للأطفال يوم العيد ليحصل من هذه التجارة على 15 قرش أرباح ليصبح إجمالى المال 45 قرش , وعلى الرغم من صغر حجم هذه الاستثمارات إلا أنها على ما يبدو بداية لطفل نشيط فى مجال التجارة والاستثمار , كانت هذه بداية محمود العربي صاحب سلسلة شركات توشيبا العربي , ولكن كيف تحولت إستثماراته من القروش إلى المليارات ؟ ويمكن تلخيص ذلك فى ثلاث مراحل من حياته .
المرحلة الأولى : العمل في المحلات
كما ذكرنا أن بداية محمود فى التجارة بدأت منذ الصغر إلا أن بدايته الحقيقية فى العمل كانت فى أحد المحلات فى القاهرة لبيع الخردوات وكانت مرتبه آنذاك 120 قرش فى الشهر إستمر فى العمل لذلك المحل حتى صارت مرتبه 320 قرش ولكن محمود الفتى الطموح أحس بأنه يريد أن يتعلم المزيد عن شؤون التجارة فإنتقل للعمل لدى أحد محلا ت بيع الجملة وكان مرتبه قد إرتفع ليصل 4 جنيه فى الشهر وإستمر للعمل لدى هذا المكان ما يقارب 9 سنوات حتى ذهب لأداء الخدمة العسكرية وكان مرتبه فى هذه الفترة يقارب 26 جنية وكانت كافية لتساعدة على الزواج .
كان من الممكن أن تكون هنا نهاية القصة كما هى نهاية قصة الكثيرين مرتب جيد وزواج واولاد ولكن هذا ما يميز شخص عن آخر فالطفل محمود الذى كان مميز فى طفولته عن أصحابه هو الآن أيضا مختلف عن غيرة من الشباب فى بداية حياتهم فهو الان بعد الزواج يبحث عن شريك ليبدأ عمله المستقل وهى المرحلة الثانية من حياتة .
المرحلة الثانية : العمل المستقل
عقد محمود وصديق له عقدا لفتح محل مع إثنان آخران بحيث يشارك محمود وزميله بالمجهود والاثنان الاخران يشاركان برأس المال والذى كان 5000 جنيه وكان المشروع محل بيع أدوات مدرسية ولكن لا يوجد نجاح بدون ضريبه تدفع وكانت أول الابتلاءات مبكرة فبعد 3 أيام فقط من الافتتاح يمرض صديقة المشارك معه بالمجهود ليجد محمود نفسه يحمل مشاق العمل كله على عاتقه وقد كان خير من يقوم بهذا ولكن الامور لم تقف عند هذا الامر بل إن الإثنين الشركاء المشاركين بالمال إعترضوا على ذلك وأرادو إخراج صديقه المريض من العقد ولكن كان موقف محمود الذى ينم عن أخلاقه ومبادئه والتى حافظ عليها طوال حياتة فرفض هذا الامر وكانت نتيجة رفضه القاطع إنهاء الشراكة , لم يلبث محمود كثرا قبل أن يفتتح محل آخر بديل السابق لبيع أدوات المدارس ويحافظ على نصيب زميله المريض وعلى أولاده , ولكن المصائب لا تأتى فرادى فلم يلبث محمود من الإستقرار فى العمل بمحل بيع الادوات المدرسية فإذا بقرار من الدولة بتوفير الادوات للطلبة داخل المدارس بما يعنى أن تجارتة أصبحت عديمة الفائدة ولكن جاء القرار منه سريعا بتحويل مجال عمله بالكامل الى مجال جديد تماما وهو مجال الاجهزة الهندسة والمنزلية وهو بداية الرحلة الى الشركة الكبيرة توشيبا العربي .
وللمرة الثانية تستقر حياة محمود بمحل جيد ودخل مستقر وزوجة وأولاد والتى يبدو أنها ظروف ملائمة على الاستقرار ولكنه أيضا كان مختلف فى التفكير عن الكثيرين وظل يطمح فى المزيد , وطموحه هذا لم يكن لرغبة مادية على حد تعبيره فهو فى هذا الوقت يعمل لديه فى المحل عامل واحد فكان يطمح أن يصبحوا أكثر من ذلك بكثير وبالفعل قد وصلو الآن وقت كتابة المقال على ما يقارب 20 الف عامل , فكيف إذا وصل لهذا الرقم ومن أين جاءت علاقته بشركة توشيبا اليابانية ؟ وهذا الجزء الثالث من حياته .
المرحلة الثالثة : شراكة مع شركة توشيبا اليابانية
تاتى الفرص قليلا ولكن الكثير يضيعونها والقليل من يستغل هذه الفرص وقدرتك على إستغلال الفرص تكمن فى مدى إستعدادك لهذا الامر ومدى قدرتك وكفاءتك على ذلك , وعندما نلقى هذا الكلام على شخص مثل محمود العربي فيبدو لنا أنه كان فى هذه السن المبكرة لدية من الكفاءة والخبرة ما يميزة ويجعل أحد العاملين فى شركة توشيبا اليابانية أثناء تواجده فى مصر يعجب بمحمود وبحماسته وخبرته فى العمل فتكون نتيجة ذلك أن يقترح على شركة توشيبا أن تعطيه توكيل بإسم الشركة ليفتح فرع فى مصر , وبعد مفاوضات كثيرة تحقق الامر وتم إفتتاح الفرع الاول لشركة توشيبا اليابانية فى مصر تحت إدارة الحاج محمود العربي .
وبالتأكيد فإن الشخص الذى رفض أن تنتهى مسيرتة فى مراحل حياتة الاولى لم يقف عند هذا الحد بل كانت هذه المرحلة بداية لسلسلة من النجاحات التى سطرها الحاج محمود العربي بسلسلة شركات توشيبا العربى بمقرها الاول فى بنها ومن بعد ذلك بالمنطقة الصناعية الثانية فى قويسنا وأصبح عدد العاملين الان يقارب 20 الف والذى لا يتناسب مع طموح هذا الرجل فهو الان يطمح أن يصل عدد الموظفين فى الشركة الى 180 الف موظف ويكمن السر فى هذا الرقم أنه يريد أن يصل لنفس عدد العاملين فى شركة توشيبا اليابانية .
وكما بدأ محمود العربي محافظا على القيم والمبادئ فلا زال الى الان لديه هذه القواعد لا تتغير ومنها أنه لا يعين أحد فى شركتة مدخن ومنها أنه لا يتعامل مع أى شخص إسرائيلى , كما أنه حرص على الابتعاد عن معتركات السياسة قدر إستطاعته على الرغم من إلحاح الكثيرين عليه .
لم تكن نجاحات الحاج محمود نجاحات أقتصادية فقط بل كان له العديد من الإنجازات فى مجتمعة ومنها إنشاء مدارس ومستشفيات ومساجد والعديد من الاعمال الخيرية والتى كانت جزء من حياة هذا الشخص .